الأحد، 27 سبتمبر 2015

ذاكرة الجسد

"لو عرفتِ رجالاً مثل زياد...لما كنت في حاجة إلى خلق أبطال وهميين. هنالك في هذه الأمة أبطال جاهزون يفوقون خيال الكتّاب.."-أحلام مستغانمي-

 كم من المسافات عليك أن تقطعها وكم من السنوات عليك أن تمضيها قبل أن تعثر على شخص مثل زياد الخليل؟

 يقول عنه خالد بطل رواية الكاتبة المبدعة أحلام مستغانمي ذاكرة الجسد: "تلك الوسامة الغامضة المخفيّة التي لا تفسير لها... يمكنه أن يكون حتى بعد موته مغرياً، بذلك الحزن الغامض الساخر. وكأنه يسخر من لحظة كهذه.
وأفهم مرة أخرى أن تكوني أحببته. لقد أحببته قبلك بطريقة أخرى. كما نحب شخصاً نعجب به ونريد أن نشبهه، لسبب أو لآخر... وكأننا نعتقد في أعماقنا أن الجمال والجنون والموهبة والصفات التي تبهرنا فيه قد تكون قابلة للعدوى والانتقال إلينا عن طريق المعاشرة".
 هكذا كان زياد، وسيما وموهوبا ومجنونا، كان الوطن المستحيل والعشق المستحيل وقصيدة تعد مرات ولا تفي، فأي ممثل هذا الذي يمكنه أن يجسد شخصية كتبتها أحلام بمثل هذا الإبداع؟ هذه مهمة مخرج المسلسل الذي بثته قناة أبو ظبي في سنة 2010.
كانت الرواية في أيد أمينة فلم توكل مهمة تحويلها إلى مسلسل لأي كان... فمخرج العمل نجدة إسماعيل أنزور أهم المخرجين السوريين على الساحة وقد أحسن الاختيار عندما رأى في ظافر العابدين الشاعر والمدرس والمناضل الفلسطيني زياد الخليل، وأبدع ظافر فعلا في دوره فهو يتقن اللغة العربية الفصحى ويحمل كل ملامح زياد، وقد جمعته بالفنان السوري جمال سليمان و الممثلة الجزائرية أمل بوشوشة مشاهد رائعة. وأبدع ظافر في القاء القصائد مثل "تربص بي الحزن لا تتركيني لحزن المساء" و"أميرة عشقي".
 ذاكرة الجسد أول عمل عربي مشترك لظافر العابدين وقد صوره ما بين بيروت وباريس ويقول عنه: "كان دوري في ذاكرة الجسد مميزا بالنسبة لي، لعبت دور الشاعر الفلسطيني زياد الخليل هو مناضل ومدرس لغة عربية، انسان يقوم بأي شيء من أجل وطنه والآخرين". ويضيف "استطاع المخرج المبدع نجدة أنزور إخراج شخصية جديدة كانت رابضة بداخلي".
 أحسسنا فعلا أن في ظافر شيئا من زياد، رغبة في إسعاد من حوله وأحلام لغد أفضل وعشق لا محدود للوطن..


يقول زياد لخالد في الحلقة السادسة من المسلسل "لقد أصبح لبنان وطنا للزلازل والرمال المتحركة، هو المتغير الوحيد وسط أنظمة لم ولن تتغير، كل هذه المصائب ولم يسقط نظام عربي واحد يا رجل"
ويجيبه خالد ضاحكا "هذا يعني أنك قد خسرت الرهان، مذ كنا في الجزائر وأنت تراهن على زلزال سياسي هنا أو هناك يغير خارطة هذه الأمة"
وها قد حدث الزلزال وهوت دمشق، وسوريا التي احتضنت كل القضايا العربية لم تجد صوتا ينحاز لها، سوريا التي كانت وطنا لكل عربي ضاقت بأبنائها الأرض على رحابتها حتى لم يجد الأطفال فيها ملجأ غير أمواج البحر...
كان فريق "ذاكرة الجسد" الذي صور الوجع الجزائري والنضال الفلسطيني كأجمل ما يكون ومخرجه وكاتبة السيناريو وبطله الرئيسي من سوريا...
عذرا لشعب لم يجد من يشاركه وجعه حين هوى وطنه وذبلت في حدائق منازله زهور الياسمين، عذرا لشعب احتوانا دهرا ولم يجد فينا من يعترف بالجميل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاركونا بآرائكم