هنالك أدوار مختلفة عن غيرها، لا تؤديها بعقلية المحترف الذي يرغب في إتقان عمل ما بل بروح المغامر الذي يعيش تجربة لا تتكرر، أدوار تقتحم عالمك، تؤثر فيك، "تعلّم" فيك كما يقول المصريون... أدوار تحملك إلى عالم لم تكن تعرفه، أو إلى أعماق شخصية على الرغم من بعد تفاصيلها عنك هي أقرب ما تكون إليك. هكذا كان دور ضياء في مسلسل فرتيجو الذي قدمه ظافر العابدين في شهر رمضان سنة 2012.
كان ظافر يرغب في دخول الساحة المصرية منذ سنوات، وهو الذي ساهم عشقه لأحمد زكي ومحمود عبد العزيز وعادل إمام في شغفه بالتمثيل، لكنه كان ينتظر الفرصة المناسبة، والدور الذي يقدم له إضافة حقيقية...
عمليّا، يحتاج الدور للكثير من الجهد فقد كان على ظافر أن يتقن تماما اللهجة المصريّة ثم كان عليه أيضا أن يتعلم لغة الإشارات، كما أن ضياء أصمّ ويركز طوال الوقت على شفاه من يتكلم معه حتى يفهم من حركاتها ما يقال... وأخيرا، يعاني ضياء من مشكلة التهتهة مما يجعله يتوقف عند الكثير من الكلمات ويضطر لإعادتها.
تساءل فريق العمل عن الممثل الذي يمكنه تقديم دور ضياء بالشكل الأمثل واقترحت النجمة هند صبري بطلة العمل إسم ظافر الذي كانت قد شاركته بطولة مسلسل مكتوب وتعلم أنه من الممثلين النادرين في العالم العربي القادرين على تقديم كل الأدوار، والصعبة منها بالخصوص.
شاهد المخرج عثمان أبو لبن بعض أدوار ظافر واتصل به للمشاركة في المسلسل بعد أن أيقن أنه وجد فيه ضالته، ولم يتردد ظافر بالطبع في قبول الدور وهو الذي يعشق التحديات والأدوار الصعبة التي تستلزم جهدا وعملا ومثابرة، ظافر ككل الرياضيين الموهوبين يعشق المباريات الصعبة والأهداف التي لا يحققها أي كان.
مسلسل فرتيجو مأخوذ عن رواية لأحمد مراد إلا أن عديد التغييرات طرأت على الرواية بقلم السيناريست محمد ناير فآل دور المصوّر الفوتوغرافي أحمد لفريدة التي تلعب دورها هند صبري أما شخصيّة غادة حبيبة أحمد الصمّاء فتحوّلت إلى دور ضياء.
ضياء رجل بسيط أصمّ من الطبقة الكادحة المصرية يعمل نجارا وفنانا في زخرفة البراويز والديكورات الخشبية، إلا أنه رغم مصاعب الحياة متصالح مع نفسه وعاشق لمهنته وبلده ويتحلى بروح الدعابة فينتزع منك الابتسامة وأنت تكاد تتأهب للبكاء. ضياء شخصية رائعة تدخل القلب دون استئذان.. شخصية بسيطة في أسلوب حياتها لكنها ذكية وتتعلم منها فريدة الكثير، تتعلم كيف تصوّر مصر بعين العاشقة لوطنها وكيف ترى الناس وتسمعهم بقلبها ومشاعرها. ضياء هو الأمل في عالم الاستغلال والفساد والرشوة الذي تحاربه فريدة في المسلسل، هو البراءة والصدق في زمن الخداع، هو "إنسان في زمان فيه طيبة القلب بتتعيب"، صورة من الزمن الجميل تجعلك توقن أن الدنيا ما زالت بخير.
ضياء شخص معطاء يحب مساعدة الناس ويتمسك بفريدة لأنه يشعر بأنها مختلفة عن الآخرين، ولأنه يعتقد أنها تستحق مساعدته واهتمامه وحبه...
"عاوز أساعدك عشان انتي تستاهلي... فيه ناس كتير قابلتهم وعملت عشانهم حاجات كتير بس ما حدش فيهم كان يستاهل، انتي غير كل الناس".
هنالك مواعيد ناجحة وكفى، وهنالك مواعيد استثنائية، وأول مصافحة لظافر مع الجمهور المصري كانت استثنائية بكل المقاييس. يقول ظافر عن مسلسل فرتيجو: "تجربة فريدة جدا فشخصية محمد ضياء مركبة وتحتاج للدرس وقد تعمقت في داخلها وأحببتها كثيرا" (حوار مع جريدة التونسية بتاريخ 06 أوت 2012).
فتحت القاهرة أبوابها لظافر بحفاوة وأحس هو أنه في بلده بين أهله حتى أنه لم يغب عنها منذ سنة 2012 ففي كل سنة سيكون له موعد مع الجمهور المصري في أدوار مختلفة ومفاجئة. ضياء، رأفت، سميح، حاتم، ليست شخصيات عادية إنما هي أدوار تؤثر فيك من شدة مصداقيتها فتحبها أو تكرهها، تتعاطف معها أو تثير غضبك، تعشقها أو تحقد عليها، لكنها أبدا لا تمرّ بك بشكل عابر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركونا بآرائكم