شهدت سنة 2011 عرض فيلم مستقل في غاية الأهمية لأنه يصور ما يحصل في العراق وعملية احتجاز الرهائن بشكل مختلف تماما عما عهدناه، لا يرتكز الفيلم على الأكشن ولا على المؤثرات بل على الحوار... ذلك الحوار شبه المستحيل بين الجلاد والرهينة.
يقع آدم سميث رهينة في بغداد حيث يمضي يومين مع محتجزيه دخيل و شاكر، الذي يلعب دوره ظافر العابدين، وأحمد وفارس...
يتعلم آدم كيف يستمع لمحتجزيه وكيف يتفاعل معهم، يسمع أيضا وجهة نظر مغايرة لما كان يحمله من آراء بخصوص الإرهابيين، ويجد نفسه غير قادر على مواجهة حججهم، كيف يواجه حقد الشاب أحمد وهو يذكر الأطفال الذين قضى عليهم المحتلون؟ كيف يواجه صورة ابن دخيل الذي خطفه الموت الغادر ذات حرب لا مبرر لها؟
يتعلم آدم النقد الذاتي، وتظهر له صور الفظاعات التي اقترفها المحتلون في مشهد من أروع مشاهد الفيلم وهو الحلم/الكابوس الذي رافقته موسيقى تصويرية ممتازة لـ Matt Katz. من المشاهد المؤثرة كذلك المواجهة بين آدم ودخيل التي يقول له فيها هذا الأخيرYou created me، في إشارة إلى علاقة نشوء الارهاب بما تسببت فيه القوى الامبريالية من دمار في العالم.
تعرّض الفيلم إلى الكثير من النقد في بريطانيا، واتهم بالترويج للإرهاب Terrorism Apology وذلك لأنه أضفى طابعا إنسانيا على الإرهابيين وأوجد لهم مبررات يرفضها الرأي العام بشدة، نزع الأقنعة عن أوجه المختطفين فإذا بنا أمام أشخاص عاديين، يعاملون رهينتهم بالكثير من الإنسانية، مقارنة بما قد يكون مصير المعتقلين العراقيين في سجون الاحتلال، ويعبرون عن مطالب أقل ما يقال عنها أنها مشروعة، وهي مغادرة جنود الإحتلال لوطنهم، وهو ما لا يبرر شيئا من فظاعة ما يقترفون.
محاولة الفهم قد تكون بداية للتبرير، ولهذا يرفضها الكثيرون من حيث المبدأ، ويكتفون بتصوير الارهابيين، تماما كالنازيين خلال الحرب العالمية الثانية، باعتبارهم يمثلون الشر المطلق والوحشية التي لا يمكن فهمها أو تصورها، لكن عديد المفكرين حول العالم استنتجوا في دراساتهم أن النازيين كانوا أشخاصا عاديين جدا في حياتهم، وجدوا في ظروف معينة وأثرت عليهم ايديولوجيا جعلتهم يرون الأشياء بمنظار مغاير(Banality of evil) مما يعني أن الإنسان، أيا كان، قد يحمل في داخله نوازع الشر المطلق تماما كما يحمل نوازع الخير حسب الظروف التي يوجد بها.
لا نعلم بالضبط لأية جهة ينتمي شاكر، أو لماذا يحاول في وقت ما مساعدة آدم على الهروب، ولا كيف تتحول العداوة بينهما إلى شيء من التعاطف... ويدخل مخططه عنصرا من التشويق على الفيلم حتى اللحظة الأخيرة، تلك التي يهب فيها المنتج Christopher Simon لنفسه المشهد الأخير... كم مرة رأينا هذا المشهد على شاشات التلفزيون وغيرنا القناة في لحظات، كم مرة فاجأنا على مواقع الإنترنت فأغلقناها دون أن نتوقف... أما الفيلم السينمائي فمختلف جدا، لا مجال لنا أن نهرب ونحن نواجه هذه الصورة وها نحن نصبح بدورنا الرهائن ! نشيح بأنظارنا جانبا ونحن نتساءل في ذعر: من ترانا نكون؟
كان لنا حوار مع كاتب العمل ومخرجه المبدع Heath Jones ننشره في مقال لاحق عبر فيه عن رغبته في العمل مع ظافر مجددا، ليس فقط لأنه ممثل موهوب، ولكن لأن العمل معه ممتع أيضا. وقد وثق المخرج في ظافر فمنحه أول دور بطولة له في السينما الأجنبية، ومملكة الغبار يقدم لنا في الحقيقة بطولة جماعية لخمسة ممثلين من آفاق مختلفة أبدعوا جميعا في أدوارهم.
أما المشاهدون فاستمتعوا بمشاهدة فيلم مختلف يعدّ، بالإضافة إلى الفيلم الانجليزي The mark of Cain، من أفضل ما قدمته السينما حول حرب العراق. مملكة الغبار فيلم يجعلنا نغوص في أعماق ذواتنا و نزيح الغبار المتراكم في أذهاننا وذاكرتنا ولو إلى حين...









ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركونا بآرائكم